ايران

سلايد

قمر

قمر

جان فوس من اللوحة إلى جنون الملصقات

الاثنين، 7 سبتمبر 2015

 الثلاثاء، ٨ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٥ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش) باريس - أسعد عرابي
مع نجاح الصالة الباريسية النخبوية «غاليري لولونغ»، برز اسمها في الموسم الأوروبي، وذلك بذكاء رهانها الاحترافي الاستثنائي على تقديم جملة معارض متباعدة لاثنين من رواد الحداثة، ورفعهما من الصف الثاني من الشهرة والتسويق إلى الطليعة من مستقبل ما بعد الحداثة، وهما: شون سكالي وجان فوس. تعرضنا للأول في موضوع سابق، ويملك الاسم الثاني حقّه الطبيعي في التوقّف عنده وتأمّل فنه المركّب ومحاولة تفتيته إلى أصوله المتناقضة، متعقّبين تظاهراته التي أحيتها غاليري لولونغ.
تحتكر جدران الغاليري نفسها في الدائرة الثامنة من العاصمة، ما لا يستهان به من مختارات مجموعة فناننا التي تمثل مقتنياتها عبر السنوات، ولكن الأهم مما هو معروض الآن الاحتكار الأكبر لأعماله الأخيرة ما بين عامي 2014 و2015، وسيقام معرض مستقبلي فيها بعنوان «جان فوس: أعماله الحديثة» من 26 تشرين الثاني ( نوفمبر) حتى بداية 2016. أما أبرز المعارض الراهنة الذي نحن في صدده خارج حدود غاليري لولونغ، فيُدعى «عبور نحو المجهول». يرتبط العنوان بشخصية لوحة جان فوس والعلاقة المتبادلة بين الفوضى والصدفة. وهو يقام في رحاب كنيسة سان سوفور في مدينة سان مالو. عُرضت فيه 40 تحفة فنية من لوحات إلى منحوتات ونحت غائر وسيراميك، وأحياناً تختلط هذه التقنيات في العمل الفني بسب اعتماد فناننا على الملصقات والأداءات التهجينية. يستمر المعرض خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر). شكّل المعرض حيوية ثقافية وسياحية ملحوظة في المدينة المتواضعة الذكر عادة.
أما أطرف كوكبة هذه المعارض فهو الذي توّجه عنوان مثير: «لنضع كل الأعمال الفنية خارج المحترف»، كنوع من التظاهرة البانورامية الرحبة التي تجمع نماذج أنجزت وفق تسلسلها التاريخي، ما بين 1960 و2015. وذلك في مدينة روشيل في إسباس آنكان.
معرض آخر بانورامي يجمع التصاوير على القماش والرسم على الورق ما بين 2012 و2015، وذلك في مدينة رويان في مركز الفنون التشكيلية.
تقع أصالة جان فوس وما بعد حداثته في جرأة جمع ما لا يقبل الجمع إلا ضمن توحّد انفعالي ووجداني مثير غير مكرور، في علاقة بصرية وتخيلية جديدة، لا يمكن أن تكون ـ على رغم طلاق عناصرها وتناقض مفرداتها ـ إلا كما هي عليه. أصله الألماني (على رغم إقامته في باريس) لعب دوراً في تعقيد ذائقته التشكيلية، لكنه كان في شكل خاص مدفوعاً بهوس التوليف بين الفن الفرنسي (التجريد الغنائي) والفن الأميركي (البوب آرت والدادائية المحدثة)، وهو ما يذكر بالرغبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فقد تداخلت في 1962 جماعة الواقعية الجديدة الفرنسية مع جماعة البوب آرت الأميركية.
شهدنا مع النحات الفرنسي سيزار، كيف أصبح أقرب إلى جماعة البوب في حينها، وكذلك الفنان الإنشائي الأميركي روشنبرغ الذي أصبح أقرب إلى الواقعية الجديدة وهكذا.
وحتى ندرك تأثير جان فوس في حداثة الفن الفرنسي، نجده أحد المؤسسين الرئيسيين في السبعينات لتيار التشخيصية. فأعماله تتراوح بين التجريد والتشخيص. يفرّق هو نفسه في أعماله الجديدة بأن «الخيال فيها تشخيصي والجانب السردي تجريدي».
لا شك في أن فكره النظري لا يقلّ ديناميكية عن مختبره العملي. قال ذات مرة: «التشعّب الذي يسيطر على مناخات لوحاتي يعكس فوضى العالم الذي نعيش فيه. هي طريقة أيضاً لإخراج الفن التشكيلي من أسلبة الصقل التي تعثّر بها عموماً».
لا بد في هذا المقام من التمييز العلمي (وليس الفني) بين مصطلحي الفوضى والتشعّب، فالفوضى عكس النظام، أما التشعّب فالفوضى الظاهرة التي تخفي نظاماً يعصى على الذكاء والأدوات العلميّة البشرية. على غرار نواظم الفلك ونواظم الوراثة والتطور (كأطروحة داروين ولامارك)، لنأخذ شكل الموجة المائية المتحولة على سبيل المثال، فقد استطاعت بحوث الفيزياء أن تضبط تطور حركة الموجة وتحوّلها وفق رسوم غرافيكيّة، وهو ما يفسر بعض البرامج الممكنة الحصول في الطبيعة مثل جولي وسواه.
الإلماح إلى هذه الحقيقة ابتدأ في أوروبا من دور الحدس لدى برغسون، وسبقه إليه الفلاسفة العرب مثل الغزالي بتعبير القلب الذي تجتمع فيه نشاطات شتى الحواس، بخاصة الذوقية (الفنية). اكتشف الفنانون هذه الحقيقة ذات الظاهر العبثي منذ الدادائية الأولى في بداية القرن العشرين، وأصبح فن الحداثة وما بعدها يتبع لاستسلام الفنان إلى إملاء حواسه وليس عقله، فالعقل ينتج العلوم الوضعية بينما الحدس ينتج شتى الفنون، بما فيها فن جان فوس.
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyright © 2011. ملصقات - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Inspired by Sportapolis Shape5.com
Proudly powered by Blogger